الأحد، 12 يونيو 2011

من جيهان السادات إلى سوزان مبارك

اخبار السعيدة - بقلم - د. يحي القزاز         التاريخ : 19-09-2010
عزيزتى صاحبة العصمة السيدة سوزان مبارك حرم رئيس مصر الحالى أكتب إليك وأنا لست مضطرة للكتابة، وأنت لست بحاجة إلى عناء القراءة، لكنه الظرف الزمانى الذى عشته والمكانى الذى أقمت فيه، يدفعاننى للتبصير ومحاولة تجنب أخطاء وقعت فيها وقت أن كنت حرما لرئيس الجمهورية، وكان المسئولون حولى يحومون كالفراشات، وكل سعيد بأن يفقد روحه بالقرب من وهجى المتقد وضوئى الساطع، ويعتبرونه استشهادا فى حب الوطن. أسمعوننى من المديح مالم يسمعه الحواريون لسيدنا عيسى عليه السلام، ولا الصحابة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وأسبغوا على من الألقاب النفيسة ما تنوء الجبال بحمله، ووصفونى بحكمة تفوق حكمة سقراط وإفلاطون وأرسطو.. وللأسف صدقتهم. وبعد أن اغتيل زوجى الرئيس السادات، تواريت عن الأنظار، وانطفأت هالات النور المشعة، وتبدل الحال، اكتشفت أن الفراشات الهائمة ما هى إلا كائنات صدئة ذوات قلوب جامدة، تتلون بهتانا وزورا حسب الطلب والمصلحة. وأنا فى الظل –بعيدا عن الحكم- لم يتصل بى أحد تعبيرا عن مودة ولاعرفانا بجميل. وكان أول شيء استهل به العهد التالى لحكم السادات، عهد مبارك، هو محاكمة أقرب الناس للرئيس السادات –شقيقه- بتهمة التربح  باستغلال النفوذ، وفرضت الحراسة على أمواله. وما فعله شقيق السادات وحوكم بسببه، يتضاءل حتى التلاشى ويعتبر فضيلة أمام ما يصنعه النظام الحاكم الآن من نهب وسلب واغتصاب.

تعرفين الداعى لرسالتى هو النصح والنصيحة وتجنب الوقوع فى مستنقع النفاق السياسى، والتعفف عن استلام جائزة مشبوهة (الدكتوراه الفخرية من جامعة القاهرة) يوم الخميس 16/9/2010. وتدركين أننى وقعت فى نفس ما أحذرك منه بصورة مصغرة، فمدة حكم زوجى لاتعادل ثلث مدة حكم زوجك. ولوعاد بى الزمن ثانية لعلقت المشانق لكل المنافقين الآفاقين الذين يسعون للوصول إلى أعلى المناصب وتحقيق الثروات عن طريق نفاق الحكام وزوجاتهم وأبنائهم. وسمعت أن الدنيا فى جامعة القاهرة قائمة على قدم وساق استعدادا للاحتفال بك فى جامعة القاهرة وقت منحك وتسلمك درجة الدكتوراه الفخرية تقديرا لمجهودات مزعومة. وألفت نظرك، إشفاقا بلا حقد ولاموجدة عليك، ومن خلال تجربة عريضة خضتها، وحياة طويلة مكنتنى من العيش ما يقرب من ثلاثين عاما بعيدة عن أضواء الرئاسة بعد اغتيال زوجى، ألفت نظرك إلى وضعى الآن، وأين المحيطون بى من الماضى، وستكتشفين أنهم ثلة من المنافقين واصحاب المصالح، ولو تغير النظام السياسى الحاكم قبل استلامك الدكتوراه الفخرية أو المخزية (على حد تعبير البعض)، لمنعوها عنك، وصاروا فى ركاب الحكم الجديد، وماذا تنتظرين من آفاقين تأكدوا أن الصعود وتحقيق المصالح يمر عبر بوابة وحيدة اسمها بوابة التفاق؟!! وما كانوا يعبرونها إلا لعلمهم أنها بوابة مصنوعة من معدن النفاق الرخيص الخالص، ومخصصة لأهل النفاق فقط، فى غياب الشفافية وانعدام تكافؤ الفرص.

لكل ذلك أطلب منك أن ترفضين جائزة مشبوهة (الدكتوراه الفخرية)، ومن يؤدى واجبا وطنيا لايستحق عليه لا شكر ولا مكافأة إلا المأجورين والطامعين فى شرف لايستحقونه. واصغِ إلى صوت من قالوا لك لإن يقول الناس رفضت السيدة سوزان مبارك الجائزة خير من أن يقولوا قبلتها، وهى ليست أهل لها. وأنت تعرفين أنك لست مدام كورى (مارى كورى) التى تستحق دكتوراه فخرية على اكتشافها أحد العناصر المشعة وعملت مع زوجها فى الحقل العلمى وحصدوا جائزة نوبل مرتين.

وحتى لا تظنين بى السوء وتعتبريننى حاقدة عليك، أرجو أن تستديرى بوجهك للوراء.. منذ أكثر من ثلاثين عاما، وقت أن كنت أنت حرم نائب رئيس الجمهورية، وتعيشين فى الظل، وكنت أنا حرم رئيس الجمهورية ملء السمع والبصر، وكانت مشروعاتى التى أشرف عليها والمسماه باسمى لا تعد ولا تحصى، ولعلك تذكرين مشروع الوفاء والأمل الذى دشنته من أجل العاجزين صحيا.. بنظرة بسيطة إلى الماضى والحاضر تدركين الفارق.. أن كل ماصنعته من مجد تبخر وكان مرهونا ببقاء زوجى فى الحكم. وتعرفين أكثر من غيرك كيف أنت وزوجك وحاشية الحكم عاملتموننى وأنا فى السلطة، وكيف تعاملوننى الآن.. تجاهل وجحود ونكران للجميل. ولست بنادمة لأننى اكتشفت المعادن على حقيقتها، ولا ألوم أحدا على نفاقه، فلولا أنهم رأوا ثغرات ينفذون منها ما صنعوا ذلك، فالعيب فيمن يستحسن إطراء المنافقين، ويستبد برأيه وينحى القانون، وينفر من كل نصيحة مخلصة وإن كانت جافة. بنظرة بسيطة لحالك معى قبل وبعد تكتشفين الحقيقة المرة، ولو كان هناك وفاء حقيقى لظلت مشروعاتى باقية أشرف عليها حتى الآن، ولتم تكريمى فى غياب سلطة زوجى كنوع من الوفاء.. لكنه النفاق الذى يسلب الألباب، ويدير الرؤوس، ويصدقه ضعاف النفوس.

إذا جاء التكريم من مؤسسة على رأسها شقيق لوزير ولمستشارة ثقافية فى أمريكا -وكأن مصر لم تنجنب سوى هؤلاء الثلاثة- فلا يمكن للمرءأن يطمئن إلى شرف منحه  علبة بسكويت وليست دكتوراه فخرية. قريبا جدا، وانا اشتم رائحة التغيير قادمة، ستتأكدين من صدق قولى، فانجو بنفسك وارفضى وافضحى الآفاقيين المنافقين، وإلا صرتى شريكة لهم.  تجنبى الشبهات، وحتى لايقال عنك: أن سوزان مبارك فى أثناء حكم زوجها كانت امرأة متجبرة أنانية حاقدة تشتهى كل ما لدى الآخرين وتستحوذ عليه. واعلمى أن الجامعة ليست "محل كوافير" ولا "محل جواهرجى" لتزيين النساء بالمساحيق والجواهر.

أعلم أنك ماضية إلى هدفك المشبوه، وقد تتهميننى بالسوء، عند هذا الحد تذكرى وضعى ومجدى الماضيين فى عز سلطة زوجى الرئيس الراحل، وانظرى إلى حالى اليوم وأنا أرملة الرئيس الراحل. ساعتها تكتشفين حجم النفاق ممن يحيطون بك. قبل فوات الآوان لديك فرصة ذهبية لتعليم المنافقين والآفاقين درسا لاينسى عندما ترفضين الجائزة. وفى أحيانا كثيرة تكون قيمة المرء بما يرفض لا بما يملك. ويحيى باشا ابراهيم لم يخلده التاريخ إلا لأنه خسر الانتخابات البرلمانية التى أجراها عام 1924  وهو الباشا رئيس وزراء مصر آنذاك أمام حسن بك مرعى، والقيمة إعلاء قيمة الشفافية والمصداقية، والترفع عن الصغائر واحترام رأى الأمة على المجد الشخصى الزائل.

ملحوظة: سنلتقى قريبا فى أمريكا ونجتر زكرياتنا، وأتمنى أن يكون حالك أحسن من حالى.

تحياتى

جيهان السادات
 حرم رئيس الجمهورية السابق وأرملته حاليا

أنشر هذه الرسالة التى جاءتنى فى المنام، وأعتذر للسيدة جيهان السادات عن النشر قبل المراجعة وبدون استئذان. رسائل المنام لا تنتظر.. تقض المضجع، وتكسر القيود.. تزعج من تنسب إليهم، لكنه المنام والعقل الباطن الذى لا يهدا ولا ينام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق